لله عائدون









للهِ عائـدون 

أبـي ، ذآق طعم يُتـم الأب صغيراً ولكنه كان شامِخاً أمآم كل العوآصف التي تعصُف به
كآنت تعانده الحياة مِرآراً وتكراراً وكان يكسر عنادها بإصرآره وإيمانِه بأن الله سيُلطف به   
فكانت الأحدآث تتسارع معه وكل يوم كان يشهد وِلادة همٍ جديد 
كبّره الزمان سريعاً ، وأشعلت الهموم والأفكار رأسه شيباً ووقاراً 
فـ منـذُ ولدت وأبي كان مرتعِباً من فكرة أن أكبر من دونه ، وأن تعبث بي الحياة وتستفرِدُ بـي 
لم يكن مصدقاً بأنه سيكبر ويكبرني معه 
إلى أن جاء ذلك اليوم .. اليوم الذي تم تصنيف أبـي من مرضى السرطان 
هنا ..  فكرة الخوف من دونه 
إنتقلت إلـيّ ، فأنتقل فِـكرُ جميعنآ إلـى رحمة الله !
كنت أرآهُ كل يومٍ يذبل أكثر ، كل يومٍ كان يعلِنُ إنسحابه من الدنيا 
ولكن عيناي كانت تراهُ كبيراً ، كبيراً لدرجة إبعاد الموتِ عنه 
كان رجُـلاً عصبياً ، رآئِعـاً ..
كان الجميع يهابهُ ، وكنت أرتعِد منه أحياناً ..
لم يكن ( أبـي ) مُخيفاً 
بل كان البطل ونحن الجبناء
كان الكريم ونحن البُخلآء !
كُنا … إذا سرنا سوياً نخافُ من شِدة حُبنا واحترامِنا له 
أن تسبق أقدامنا قدميـه 
كُنا … نعضُّ على أيدينا حين نمدها على الوجبةِ 
قبل أن تمتـدُّ يـديه 
وفي أيامِه الأخيرة : 
كنت أنـا الأولـى ، والأخيرة ..
كنت أنـا الوصيّـة ، والحياة ..
كان الموتُ يشدّ يآقته ، فكان يعض على يديَّ ليتذوق الحياة 
كان خائفاً من الرحيل .. وكنت أُمثِـل القوة ، وأبلعُ دمعآت اليأس 
وحين يغمِضُ عيناه كان ينظر للقبر فيستيقظ غارِقاً من الدموع 
ويحتضِنني كـ طيراً لا جناح له 
وقبل شروق الشمسْ 
كنت أصبغُ شيب شعرِه ، كنت أُهذِب لحيتهِ
كنت اقرأ له دوآوين الشعر التي يحبها 
ليبقـى أصغر .. ويتمسكّ بالحياة أكثر 
فحين اسأله عن عمره .. يخبرني
 بأنه للتو قد دخل الثلاثون !
ثم كآن يُلقِنني الكلمآت وأكتبها بسذآجةٍ 
كنت أنقـي له المفردآت بجهالةٍ 
كآنت … هي الوصـيةُ معي!
 دون أن أدرك هذا الجُرم الذي شاركت به  .. 
ولكن -
الحمدلله كثيراً بأنه كان يُحبني عنهم جميعاً !

حبيبيّ الرآحِل :
لا أُعاتِبُـك على الرحيل فليس ذنبك 
وكل الليالي موحِشة من بعدك لإننـي أُشاهِدك وآقِفـاً تقرعُ الباب فحين أفتح لك .. يتنآثر وجهك ويغيب 
أتذكُر القبلةُ الأخيرة التي قبلتك إياها ؟ 
هي التي أماتت الحياة بي ، وأنآ على قيدها ..
ودموعي ليلة موتِك كانت كالمطرُ الذي يهطل بغزآرةٍ ويكاد لآ يتوقف 
نُحبك يا أبـي ونشتآقك جداً 
ولا نزآل نعيشُ بخير الله ، ثم خيرك 
.
سنأتي إليك 

لإننا جميعنآ يا أبـي - لله عائِدون .

رهف الخليوي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

                               ونجمــةٍ تؤخذ على مهَل، وتُـــزرع بالعنق ..